البنك الدولي يبحث سُبل مواجهة تحديات المناخ

دبي – مصادر نيوز

إن الكوارث الكبرى التي شهدها العالم في الماضي– مثل ثوران بركان جبل فيزوف في عام 79 ميلاديا أو الإعصار الذي دمَّر سانتو دومينغو عام 1930- تنطوي على دروس قيِّمة يمكن الاستفادة منها لمساعدة الحكومات والمؤسسات على زيادة مرونة المجتمعات المحلية وقدرتها على مجابهة التحديات المعاصرة مثل تغيُّر المناخ والتوسُّع العمراني السريع.

جاء ذلك في تقرير جديد أصدره اليوم الصندوق العالمي للحد من الكوارث والتعافي من آثارها (GFDRR)، الذي يديره البنك الدولي، تحت عنوان “توابع الزلزال: استعراض حوادث الماضي من أجل مستقبل قادر على مجابهة الصدمات” ينظر في مختلف الكوارث من الماضي البعيد والقريب ويستكشف الآثار المحتملة لوقائع مماثلة لو حدثت في عالم اليوم الأكثر اكتظاظاً بالسكان والأشد ترابطاً.

أشار التقرير إلى أن ثوران بركان جبل تامبورا في عام 1815 – الذي تطرَّق إليه بالتفصيل – كان أشد الأحداث البركانية تدميراً في الألف سنة الماضية، إذ أودى بحياة أكثر من 70 ألف شخص في المناطق القريبة منه، وحجبت قِطَع من الثوران البركاني ضوء الشمس، متسبِّبةً في انخفاض درجات الحرارة في العالم ثلاث درجات مئوية، وشهد العالم “عاماً بلا صيف” في 1816. وأدى ذلك إلى إخفاق المحاصيل في الصين وأوروبا وأمريكا الشمالية وانتشار المجاعات في بعض أجزاء العالم.

وأضاف التقرير أنه لو وقع ثوران مماثل في إندونيسيا اليوم، لأحدث مثل هذه الآثار في منطقة أكثر كثافةً بالسكان بواقع عشر مرات، ولتسبَّب في تعطيل النقل الجوي في منطقة واسعة، وانخفاض الإنتاج العالمي من الغذاء في وقت يعيش فيه ستة مليارات نسمة على كوكب الأرض.

وفي هذا الصدد، قالت لورا تاك، نائبة رئيس مجموعة البنك الدولي لشؤون التنمية المستدامة: “مع الزيادة الكبيرة في مستويات السكان، والتوسُّع العمراني، ومرافق البنية التحتية المُنشأة، أصبحت مدننا ومجتمعاتنا المحلية أكثر عرضةً لمخاطر الكوارث. ويساعدنا النظر في كوارث الماضي على التخطيط من أجل مستقبل أكثر مرونة وقدرةً على مجابهة الصدمات.”

يأتي صدور هذا التقرير بمناسبة “اليوم العالمي للصليب الأحمر والهلال الأحمر” الذي حلَّ اليوم، وقبل انعقاد منتدى فهم المخاطر 2018 في مدينة مكسيكو سيتي في الفترة 16-18 مايو/أيار. ولاحظ التقرير أنَّ الآثار الناجمة عن الكوارث تزداد بسبب النمو السكاني والتنمية، مضيفا أن من المُحتمل أن تستمر هذه الاتجاهات في المستقبل. على سبيل المثال، تظهر النماذج أنَّه بحلول عام 2050 قد يجعل النمو السكاني والتوسُّع العمراني وحدهما 1.3 مليار نسمة وممتلكات وموارد قيمتها 158 تريليون دولار عرضةً لمخاطر الفيضانات النهرية والساحلية. ولكن هذه الأرقام لا تأخذ في الحسبان آثار تغيُّر المناخ على شدة الكوارث وتواترها – إذ ستؤدي تساقطات مطرية عاتية أكثر تكراراً في المستقبل إلى المزيد من نوبات الجفاف والقحط، والفيضانات، وسيُؤدِّي ارتفاع منسوب مياه البحر إلى غرق الكثير من المناطق الساحلية على نحو أكثر تكرارا .

ويتناول التقرير الآثار المحتملة للكوارث على مجموعة من القطاعات منها الزراعة والبنية التحتية، وينظر أيضاً في السيناريوهات المدمرة المحتملة التي قد تتعرَّض لها بنيتنا التحتية الرقمية والإلكترونية الأحدث – مثل حادثة كارينغتون وهي عاصفة شمسية قوية عطَّلت شبكات التلغراف في أوروبا وأمريكا الشمالية في عام 1859.

والأهم من ذلك، أن التقرير الجديد يستكشف كيف يُساعِد فهم الكوارث الكبرى للماضي الحكومات والمجتمعات المحلية على الاستعداد على نحو أفضل لمجابهة المخاطر حينما يتعرضون لها.

على سبيل المثال، تُظهر الزلازل التي أصابت شيلي وهايتي في عام 2010 جدوى إنفاذ معايير البناء والتخطيط العمراني المرن الذي يراعي عوامل المناخ في تخفيف آثار الكوارث في المستقبل. وتُبيِّن نمذجة الإعصار وندا الذي دمَّر المناطق الساحلية في الصين عام 1956 آثار المخاطر الطبيعية في اقتصاد سريع النمو ومزايا التحديد الفعَّال للمخاطر وأنظمة الإنذار المبكر. وتُظهر نظرة فاحصة إلى زلزالي مدينة مكسيكو سيتي في 1985 و2017 أهمية اعتماد العديد من التدخلات لتخفيف المخاطر من الإنذار المبكر إلى تحسين ممارسات البناء والحماية المالية.

من جانبه، قال فرانسيس جاسكيير، مدير الصندوق العالمي للحد من الكوارث والتعافي من آثارها: “إن الأعاصير والزلازل المدمرة في أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي العام الماضي كانت تذكرةً بالحاجة الملحة إلى تحسين فهم مواطن ضعفنا والعمل للحد منها. فتحسين فهم الكوارث السابقة يتيح لنا فرصة لتجنب أخطاء الماضي.”

وتتأثَّر البلدان النامية أكثر من غيرها بالكوارث، إذ تتضرَّر بشدة المناطق الأفقر في تلك البلدان. ويذهب التقرير إلى القول بأن هذه المجتمعات قد تستفيد من تحسين نظام الإبلاغ عن معلومات المخاطر، ومن ذلك المعلومات المُقدَّمة في نماذج المخاطر.

وأكَّدت تاك أنه “مع الآثار الإضافية لتغيُّر المناخ، ستشهد السنوات القادمة زيادة تواتر وشدة بعض الكوارث، وسيتطلَّب التصدِّي لهذه التحديات استخدام كل أداة متاحة -من الدروس المهمة المستفادة من تجارب الماضي إلى تقنيات الحاضر والمستقبل الآخذة في الظهور.”

 

 الصندوق العالمي للحد من الكوارث والتعافي من آثارها

الصندوق العالمي للحد من الكوارث والتعافي من آثارها شراكة عالمية تساعد البلدان النامية على فهم مواطن ضعفها في مواجهة الكوارث الطبيعية والحد منها، والتكيُّف مع تغيُّر المناخ. يعمل الصندوق مع أكثر من 400 شريك على المستويات الوطنية والإقليمية والدولية، ويُقدِّم تمويلاً في شكل مِنَح، ومساعدات فنية، وأنشطة التدريب وتبادل المعارف من أجل جعل إدارة الكوارث ومخاطر المناخ جزءا لا يتجزَّأ من السياسات والإستراتيجيات. ويلقى الصندوق الذي يديره البنك الدولي مساندةً من 34 بلداً و9 منظمات دولية.

منتدى فهم المخاطر 2018

سيجمع منتدى فهم المخاطر 2018 الذي يرعاه الصندوق العالمي للحد من المخاطر أكثر من 800 من الخبراء وقادة الفكر من مختلف أنحاء العالم لتدارس الدور الحيوي للإبلاغ عن المخاطر والتقنيات المتطورة في إدارة مخاطر الكوارث. وسيتضمن المنتدى عرض أحدث المبتكرات، وتسهيل تبادل المعلومات، ورعاية الشراكات من أجل تحديد المخاطر وتقييمها. وسيشهد المنتدى حلقات عمل تفاعلية، ولقاءات لفرق الخبراء، وعروضا حية لتقنيات تُؤثِّر على الطريقة التي نُقيِّم بها مخاطر الكوارث.

 

Optimized with PageSpeed Ninja