هل توفر صحافة الذكاء الاصطناعي أدوات جديدة لمواجهة صناعة “الأخبار الزائفة”

د. محمد عبد الظاهر
د. محمد عبد الظاهر

تُعد  ظاهرة “الأخبار الزائفة” قديمةٌ قدم الإنسان، ولا ترتبط بحقبةٍ معينةٍ؛ وإنما ترتبط بمدى تطور أدوات ووسائل الاتصال بين الناس عبر العصور المختلفة، وقد اُستخدمت منذ فترة طويلة في الحروب والصراعات بين الدول، وحتى بين جماعات مختلفة داخل نفس البلد أو المدينة.

صناعة الأخبار الزائفة

ويمكن اعتبار ” الأخبار الزائفة ” في العصر الحالي صناعة مستقلة بذاتها، لديها مقومات، وأدوات، وعوائد سنوية تتجاوز مليارات الدولارات لصانعيها، وللاعبين الرئيسيين فيها سواء كانوا جماعات، أو وسائل إعلام، أو دول وحكومات تُحركها تلك الصناعة بصورة خفية. 

 وشهدت تلك الصناعة تقدمًا ملموسًا بعد الثورة الصناعية الثالثة وظهور الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، وتحولت إلى صناعة ضخمة ينتجها لاعبون كبار في كل مكان. وقد ازدادت أهمية مصطلح “الأخبار الزائفة ” أثناء سباق الانتخابات في شمال أمريكا وأوروبا الغربية.

 مِمَّا حدا بالعديد من وسائل الإعلام الدولية بأخذ الحيطة والحذر من أدوات تلك الصناعة، فمثلا استحوذت تويتر على شركة “فابيولا”  للذكاء الاصطناعي، وهي شركة ناشئة مقرها في المملكة المتحدة تستخدم الذكاء الاصطناعي لمعالجة الأخبار الزائفة.

يقول رئيس القسم التقني بتويتر إن الاستحواذ على “فابيولا” كان لتحسين مصداقية المحادثة مع توسيع التطبيقات لوقف الرسائل غير المرغوب فيها وتحديد الأولويات الاستراتيجية في المستقبل 

في عام 2016 بدأت شركة فيس بوك في تطبيق تقنيات الذكاء الاصطناعي على المشاكل الأكثر إلحاحًا الخاصة بالمحتوى المنشور، وساهم  المدراء التنفيذيين بالشركة في وضع  سياسات تحريرية إرشادية باستخدام الذكاء الاصطناعي للمساعدة في القضاء على الأخبار الزائفة ، أو الكشف عن العنف في مقاطع  الفيديو الحية من خلال تنقية المحتوى على الموقع، لكن سياسة فيس بوك وفرق الإنتاج، كما يؤكد “يان ليسون” مدير الذكاء الاصطناعي بفيس بوك، لا تأخذ في حسبانها كيفية إدخال مسئولية الذكاء الاصطناعي.

وسائل التواصل 

ومع نمو وسائل التواصل الاجتماعي، تحملت هذه الوسائل المسؤولية الكبرى في نشر أكبر عدد من الأخبار الزائفة حول العالم، وخاصة منذ العام 2016 وما حدث خلال الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، وفرنسا، وكذلك الاستفتاءات في المملكة المتحدة وكتالونيا وفقا لتقرير البرلمان الأوروبي “”Societal costs of “fake news”  . 

عندما أجرت هيئة الإذاعة البريطانية، “قسم المستقبل الآن” مقابلة مع فريق من 50 خبير في مطلع عام 2017 حول “التحديات الكبرى التي نواجهها في القرن الحادي والعشرين” ذكر الكثيرون أن التحدي الأكبر هو انهيار الثقة في مصادر المعلومات . وقال كيفن كيلي، المؤسس المشارك لمجلة وايرد : 

 ” أن أهم التحديات الجديدة في نشر الأخبار سيكون الإطار الجديد في نشر الحقائق. “فالحقيقة لم تعد تمليها السلطات، بل أصبحت متصلة بشبكات ولكل معلومة؛ هناك معلومة أخرى متضاربة، وجميع تلك الحقائق والحقائق المضادة تبدو متطابقة على الإنترنت، وهو أمر مربك لمعظم الناس.”، وفقا لدراسة ” Pew Research Center ” 

  ووجدت الدراسة أن أكثر من 64% من الشعب الأمريكي يُشككون في الانتخابات؛ نتيجة للأخبار الزائفة وخاصة في العام 2016 ، حيث أقر  23٪ من عينات الدراسة بأنهم شاركوا أخبارا كاذبة حول الانتخابات – أحيانا عمدا وأحيانًا عن طريق الخطأ..  

ووفقا ” Pew Research Center “: “ فإن تزايد “الأخبار الزائفة “ وانتشار الروايات التي يتداولها الناس على الانترنت يمثل تحديا للناشرين والمنصات التي تحاول وقف انتشار المعلومات الزائفة ، وتصميم النظم التقنية والبشرية التي يمكن من خلالها التقليل من طرق ومخططات نشر الأكاذيب والمعلومات المضللة.

صحافة الذكاء الاصطناعي والأخبار الزائفة 

الآن وبعد الثورة الصناعية الرابعة، أصبح هناك العديد من الأدوات التي يمكن استخدامها لتوسيع نطاق صناعة الأخبار الزائفة، التي سوف تكون متاحة للاعبين الكبار، لكسب المزيد من المال والوصول إلى أهدافهم. في الوقت نفسه، يمكن لصحافة الذكاء الاصطناعي خلق أدوات قوية جدا للتحكم في تلك الأنواع من الأخبار، ومراقبة مصداقية المحتوى في ووسائل الإعلام المختلفة، وأن تكون بمثابة حائط صد في مواجهة الأخبار الزائفة.

على الرغم من أن بعض الباحثين يعتبرون فيسبوك وتوتير ليسا من وسائل الإنتاج الإعلامي مثل وسائل الإعلام التقليدية. فإن كليهما يمثلان أكبر منصات وسائل التواصل الاجتماعي في جميع أنحاء العالم، حيث أنهما يساعدان على نشر وإعادة نشر الملايين من الأخبار اليومية، واستهداف أكثر من 2.5 مليار مستخدم نشط في جميع أنحاء العالم بأكثر من 20 لغة.

في جميع أنحاء العالم، هناك أكثر من 2.38 مليار مستخدم نشط شهريًا حتى 31 مارس 2019، وإضافة إلى ذلك بلغ عدد مستخدمي تويتر النشطين شهريًا 330 مليون مستخدم في الربع الأول من عام 2019.

من المهم أن تستخدم هذه المنصات أدوات صحافة الذكاء الاصطناعي، للمساهمة في نشر المحتوى الصحيح، ومحاربة الأخبار الزائفة التي ستؤثر سلبًا على مصداقية وسائل الإعلام العالمية، خاصة عندما يعتمد صانعو الأخبار الزائفة على أسماء كبيرة لنشر المحتوى المضلل عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

فيمكن لصحافة الذكاء الاصطناعي استخدام آلاف من “الروبوت” لعمل تحليل للمعلومات والبيانات اليومية للتأكد من مصداقيتها لمواجهة نشر الأخبار الزائفة، هذا إضافة إلى استعمال تقنيات “بلوكتشين ” في رصد ومتابعة مصادر المعلومات وتحديثات الأخبار أول بأول تماما مثل العمليات التجارية، مما يقلل عدد الأخبار الزائفة المنشورة يوميا.

وغيرها الكثير من تقنيات الثورة الصناعية الرابعة، التي قد تحد من صناعة الأخبار الزائفة.

Optimized with PageSpeed Ninja